۰۲/۰۴/۱۲ چاپ ایمیل و پی دی اف

متن کامل کتاب «آن چهارده روز» | نسخۀ عربی

"آن چهارده روز" راوی چهارده نقطۀ عطف و اتفاق خاص زندگی امیرالمؤمنین(ع)، آن هم از زبان خود ایشان. به عبارت دیگر این یک زندگی‌نامۀ خودگفته است که اتفاقات روایت‌شده به انتخاب خود امیرالمؤمنین(ع) انجام شده. ماجرا از آنجایی شروع شد که روزی بزرگ یهودیان در کوفه به خدمت حضرت رسید...

کتاب «آن چهارده روز» روایتی مختصر، جذاب و جامع از مهم‌ترین اتفاقات زندگی امیرالمؤمنین از ابتدای بعثت تا زمان شهادت‌شان، از زبان خود حضرت است که در اواخر عمر شریف خود و در جمع اصحاب خود در مسجد کوفه، در پاسخ به سوال بزرگ یهودیان بیان کرده است. این کتاب در آستانۀ عید غدیر سال 1402 روانه بازار نشر شد.

* آنچه در ادامه می‌آید، متن کامل عربی کتاب «آن چهارده روز» است. در واقع متن حدیث به همان زبان عربی بدون هیچ ترجمه‌ای آورده شده است

* نسخۀ فارسی و نسخۀ فارسی-عربی را می‌توانید در این لینک(+) مطالعه کنید.

* برای اطلاع از "چگونگی خرید این کتاب" و مطالعۀ معرفی کتاب، به این لینک(+) مراجعه کنید. 

متن کتاب:


آن چهارده روز

روایت چهارده رخداد ویژه در زندگی امیرالمؤمنین(ع)، از زبان خود امیرالمؤمنین(ع) 

ترجمه و تحقیق: مؤسسۀ بیان معنوی

سؤال رَأْسِ الْیَهُودِ عَنْ امیرالمؤمنین

فی الخصال عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ(ع) قَالَ:

أَتَى رَأْسُ الْیَهُودِ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ(ع) عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ عَنْ وَقْعَةِ النَّهْرَوَانِ وَ هُوَ جَالِسٌ فِی مَسْجِدِ الْکُوفَةِ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أَسْأَلَکَ عَنْ أَشْیَاءَ لَا یَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِیٌّ أَوْ وَصِیُّ نَبِیٍّ.

قَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَکَ یَا أَخَا الْیَهُودِ.

قَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِی الْکِتَابِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا بَعَثَ نَبِیّاً أَوْحَى إِلَیْهِ أَنْ یَتَّخِذَ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ مَنْ یَقُومُ بِأَمْرِ أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْ یَعْهَدَ إِلَیْهِمْ فِیهِ عَهْداً یَحْتَذِی عَلَیْهِ وَ یَعْمَلُ بِهِ فِی أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَمْتَحِنُ الْأَوْصِیَاءَ فِی حَیَاةِ الْأَنْبِیَاءِ وَ یَمْتَحِنُهُمُ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ. فَأَخْبِرْنِی کَمْ یَمْتَحِنُ اللَّهُ الْأَوْصِیَاءَ فِی حَیَاةِ الْأَنْبِیَاءِ وَ کَمْ یَمْتَحِنُهُمُ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ مِنْ مَرَّةٍ وَ إِلَى مَا یَصِیرُ آخِرُ أَمْرِ الْأَوْصِیَاءِ إِذَا رَضِیَ مِحْنَتَهُمْ؟

فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ(ع): وَ اللَّهِ الَّذِی لَا إِلَهَ غَیْرُهُ الَّذِی فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِی إِسْرَائِیلَ وَ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى(ع)، لَئِنْ أَخْبَرْتُکَ بِحَقٍّ عَمَّا تَسْأَلُ عَنْهُ لَتُقِرَّنَّ بِهِ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: وَ الَّذِی فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِی إِسْرَائِیلَ وَ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى(ع) لَئِنْ أَجَبْتُکَ لَتُسْلِمَنَّ؟

قَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ(ع): إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَمْتَحِنُ‏ الْأَوْصِیَاءَ فِی‏ حَیَاةِ الْأَنْبِیَاءِ فِی‏ سَبْعَةِ مَوَاطِنَ‏ لِیَبْتَلِیَ‏ طَاعَتَهُمْ،‏ فَإِذَا رَضِیَ‏ طَاعَتَهُمْ‏ وَ مِحْنَتَهُمْ أَمَرَ الْأَنْبِیَاءَ أَنْ یَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِیَاءَ فِی حَیَاتِهِمْ وَ أَوْصِیَاءَ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ وَ یَصِیرَ طَاعَةُ الْأَوْصِیَاءِ فِی أَعْنَاقِ الْأُمَمِ مِمَّنْ یَقُولُ بِطَاعَةِ الْأَنْبِیَاءِ.

ثُمَّ یَمْتَحِنُ الْأَوْصِیَاءَ بَعْدَ وَفَاةِ الْأَنْبِیَاءِ(ع) فِی سَبْعَةِ مَوَاطِنَ لِیَبْلُوَ صَبْرَهُمْ فَإِذَا رَضِیَ مِحْنَتَهُمْ خَتَمَ لَهُمْ بِالسَّعَادَةِ لِیُلْحِقَهُمْ بِالْأَنْبِیَاءِ وَ قَدْ أَکْمَلَ لَهُمُ السَّعَادَةَ.

قَالَ لَهُ رَأْسُ الْیَهُودِ: صَدَقْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، فَأَخْبِرْنِی کَمِ امْتَحَنَکَ اللَّهُ فِی حَیَاةِ مُحَمَّدٍ مِنْ مَرَّةٍ وَ کَمِ امْتَحَنَکَ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ مَرَّةٍ وَ إِلَى مَا یَصِیرُ آخِرُ أَمْرِکَ؟

فَأَخَذَ عَلِیٌّ(ع) بِیَدِهِ وَ قَالَ: انْهَضْ بِنَا أُنَبِّئْکَ بِذَلِکَ. فَقَامَ إِلَیْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْبِئْنَا بِذَلِکَ مَعَهُ.

فَقَالَ: إِنِّی أَخَافُ أَنْ لَا تَحْتَمِلَهُ قُلُوبُکُمْ!

قَالُوا: وَ لِمَ ذَاکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ؟

قَالَ: لِأُمُورٍ بَدَتْ لِی مِنْ کَثِیرٍ مِنْکُمْ.

فَقَامَ إِلَیْهِ الْأَشْتَرُ فَقَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْبِئْنَا بِذَلِکَ فَوَ اللَّهِ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّهُ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَصِیُّ نَبِیٍّ سِوَاکَ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا یَبْعَثُ بَعْدَ نَبِیِّنَا(ص) نَبِیّاً سِوَاهُ وَ أَنَّ طَاعَتَکَ لَفِی أَعْنَاقِنَا مَوْصُولَةٌ بِطَاعَةِ نَبِیِّنَا.

امتحانه(ع) فی سبعة مواطن فی حیاة الرسول(ص)

امَّا أَوّلُهُنَّ: فَمَکَثْنَا بِذَلِکَ ثَلَاثَ حِجَجٍ...

فَجَلَسَ عَلِیٌّ(ع) وَ أَقْبَلَ عَلَى الْیَهُودِیِّ فَقَالَ:

یَا أَخَا الْیَهُودِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ امْتَحَنَنِی فِی حَیَاةِ نَبِیِّنَا مُحَمَّدٍ(ص) فِی سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فَوَجَدَنِی فِیهِنَّ مِنْ غَیْرِ تَزْکِیَةٍ لِنَفْسِی بِنِعْمَةِ اللَّهِ لَهُ مُطِیعاً

قَالَ: وَ فِیمَ وَ فِیمَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ؟

قَالَ: أَمَّا أَوَّلُهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَى نَبِیِّنَا(ص) وَ حَمَّلَهُ الرِّسَالَةَ وَ أَنَا أَحْدَثُ أَهْلِ بَیْتِی سِنّاً أَخْدُمُهُ فِی بَیْتِهِ وَ أَسْعَى فِی قَضَاءٍ بَیْنَ یَدَیْهِ فِی أَمْرِهِ.

فَدَعَا صَغِیرَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ کَبِیرَهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِکَ وَ أَنْکَرُوهُ عَلَیْهِ وَ هَجَرُوهُ وَ نَابَذُوهُ‏ وَ اعْتَزَلُوهُ وَ اجْتَنَبُوهُ.

وَ سَائِرَ النَّاسِ مُقْصِینَ لَهُ وَ مُخَالِفِینَ عَلَیْهِ، قَدِ اسْتَعْظَمُوا مَا أَوْرَدَهُ عَلَیْهِمْ مِمَّا لَمْ تَحْتَمِلْهُ قُلُوبُهُمْ وَ تُدْرِکْهُ عُقُولُهُمْ.

فَأَجَبْتُ رَسُولَ اللَّهِ(ص) وَحْدِی إِلَى مَا دَعَا إِلَیْهِ مُسْرِعاً مُطِیعاً مُوقِناً لَمْ یَتَخَالَجْنِی فِی ذَلِکَ شَکٌّ. فَمَکَثْنَا بِذَلِکَ ثَلَاثَ حِجَجٍ وَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ خَلْقٌ یُصَلِّی أَوْ یَشْهَدُ لِرَسُولِ اللَّهِ(ص) بِمَا آتَاهُ اللَّهُ غَیْرِی وَ غَیْرُ ابْنَةِ خُوَیْلِدٍ رَحِمَهَا اللَّهُ‏ وَ قَدْ فَعَلَ.

ثُمَّ أَقْبَلَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

وَ أَمَّا الثَّانِیَةُ : لیلة المبیت

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا الثَّانِیَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ قُرَیْشاً لَمْ تَزَلْ تَخَیَّلَ الْآرَاءَ وَ تَعَمَّلَ الْحِیَلَ فِی قَتْلِ النَّبِیِّ(ص) حَتَّى کَانَ آخِرُ مَا اجْتَمَعَتْ فِی ذَلِکَ یَوْمَ الدَّارِ دَارَ النَّدْوَةِ وَ إِبْلِیسُ الْمَلْعُونُ حَاضِرٌ فِی صُورَةِ أَعْوَرِ ثَقِیفٍ‏ فَلَمْ تَزَلْ تَضْرِبُ أَمْرَهَا ظَهْرَ الْبَطْنِ حَتَّى اجْتَمَعَتْ آرَاؤُهَا عَلَى أَنْ یَنْتَدِبَ مِنْ کُلِّ فَخِذٍ مِنْ قُرَیْشٍ رَجُلٌ ثُمَّ یَأْخُذَ کُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَیْفَهُ ثُمَّ یَأْتِیَ النَّبِیَّ(ص) وَ هُوَ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَیَضْرِبُوهُ‏ جَمِیعاً بِأَسْیَافِهِمْ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ َیَقْتُلُوهُ وَ إِذَا قَتَلُوهُ مَنَعَتْ قُرَیْشٌ رِجَالَهَا وَ لَمْ تُسَلِّمْهَا فَیَمْضِیَ دَمُهُ هَدَراً.

فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ(ع) عَلَى النَّبِیِّ(ص) فَأَنْبَأَهُ بِذَلِکَ وَ أَخْبَرَهُ بِاللَّیْلَةِ الَّتِی یَجْتَمِعُونَ فِیهَا وَ السَّاعَةِ الَّتِی یَأْتُونَ فِرَاشَهُ فِیهَا وَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ فِی الْوَقْتِ الَّذِی خَرَجَ فِیهِ إِلَى الْغَارِ فَأَخْبَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ(ص) بِالْخَبَرِ وَ أَمَرَنِی أَنْ أَضْطَجِعَ فِی مَضْجَعِهِ وَ أَقِیَهُ بِنَفْسِی.

فَأَسْرَعْتُ إِلَى ذَلِکَ مُطِیعاً لَهُ مَسْرُوراً لِنَفْسِی بِأَنْ أُقْتَلَ دُونَهُ فَمَضَى(ص) لِوَجْهِهِ وَ اضْطَجَعْتُ فِی مَضْجَعِهِ وَ أَقْبَلَتْ رِجَالاتُ قُرَیْشٍ مُوقِنَةً فِی أَنْفُسِهَا أَنْ تَقْتُلَ النَّبِیَّ(ص) فَلَمَّا اسْتَوَى بِی وَ بِهِمُ الْبَیْتُ الَّذِی أَنَا فِیهِ نَاهَضْتُهُمْ بِسَیْفِی فَدَفَعْتُهُمْ عَنْ نَفْسِی بِمَا قَدْ عَلِمَهُ اللَّهُ وَ النَّاسُ.

ثُمَّ أَقْبَلَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟  

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

[وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ؛ وَ أَنَا أَحْدَثُ أَصْحَابِی سِنّاً وَ أَقَلُّهُمْ لِلْحَرْبِ تَجْرِبَةً]

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ ابْنَیْ رَبِیعَةَ وَ ابْنَ عُتْبَةَ کَانُوا فُرْسَانَ قُرَیْشٍ دَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ یَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ یَبْرُزْ لَهُمْ خَلْقٌ مِنْ قُرَیْشٍ. فَأَنْهَضَنِی رَسُولُ اللَّهِ(ص) مَعَ صَاحِبَیَّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَ قَدْ فَعَلَ وَ أَنَا أَحْدَثُ أَصْحَابِی سِنّاً وَ أَقَلُّهُمْ لِلْحَرْبِ تَجْرِبَةً فَقَتَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِیَدِی وَلِیداً وَ شَیْبَةَ سِوَى مَنْ قَتَلْتُ مِنْ جَحَاجِحَةِ قُرَیْشٍ‏ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ سِوَى مَنْ أَسَرْتُ وَ کَانَ مِنِّی أَکْثَرُ مِمَّا کَانَ مِنْ أَصْحَابِی وَ اسْتُشْهِدَ ابْنُ عَمِّی فِی ذَلِکَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَیْهِ.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟  

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

وَ أَمَّا الرَّابِعَةُ؛ نَیِّفاً وَ سَبْعِینَ جَرْحَةً

فَقَالَ عَلِیٌّ(ع): وَ أَمَّا الرَّابِعَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ أَهْلَ مَکَّةَ أَقْبَلُوا إِلَیْنَا عَلَى بَکْرَةِ أَبِیهِمْ قَدِ اسْتَحَاشُوا مَنْ یَلِیهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَ قُرَیْشٍ طَالِبِینَ بِثَأْرِ مُشْرِکِی قُرَیْشٍ فِی یَوْمِ بَدْرٍ.

فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ(ع) عَلَى النَّبِیِّ(ص)، فَأَنْبَأَهُ بِذَلِکَ. فَذَهَبَ النَّبِیُّ(ص) وَ عَسْکَرَ بِأَصْحَابِهِ فِی سَدِّ أُحُدٍ. وَ أَقْبَلَ الْمُشْرِکُونَ إِلَیْنَا فَحَمَلُوا إِلَیْنَا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ مَنِ اسْتُشْهِدَ وَ کَانَ مِمَّنْ بَقِیَ مِنَ الْهَزِیمَةِ.

وَ بَقِیتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(ص) وَ مَضَى الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ إِلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْمَدِینَةِ، کُلٌّ یَقُولُ: قُتِلَ النَّبِیُّ(ص) وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ.

ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وُجُوهَ الْمُشْرِکِینَ وَ قَدْ جُرِحْتُ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ(ص) نَیِّفاً وَ سَبْعِینَ جَرْحَةً، مِنْهَا هَذِهِ وَ هَذِهِ ثُمَّ أَلْقَى(ع) رِدَاءَهُ وَ أَمَرَّ یَدَهُ عَلَى جِرَاحَاتِهِ. وَ کَانَ مِنِّی فِی ذَلِکَ مَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثَوَابُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟  

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ

 

وَ أَمَّا الْخَامِسَةُ؛ وَ نِسَاءُ أَهْلِ الْمَدِینَةِ بَوَاکٍ إِشْفَاقاً عَلَیَّ

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا الْخَامِسَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ قُرَیْشاً وَ الْعَرَبَ تَجَمَّعَتْ وَ عَقَدَتْ بَیْنَهَا عَقْداً وَ مِیثَاقاً لَا تَرْجِعُ مِنْ وَجْهِهَا حَتَّى تَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ وَ تَقْتُلَنَا مَعَهُ مَعَاشِرَ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. ثُمَّ أَقْبَلَتْ بِحَدِّهَا وَ حَدِیدِهَا حَتَّى أَنَاخَتْ عَلَیْنَا بِالْمَدِینَةِ وَاثِقَةً بِأَنْفُسِهَا فِیمَا تَوَجَّهَتْ لَهُ.

فَهَبَطَ جَبْرَئِیلُ(ع) عَلَى النَّبِیِّ(ص) فَأَنْبَأَهُ بِذَلِکَ، فَخَنْدَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ. فَقَدِمَتْ قُرَیْشٌ فَأَقَامَتْ عَلَى الْخَنْدَقِ مُحَاصِرَةً لَنَا تَرَى فِی أَنْفُسِهَا الْقُوَّةَ وَ فِینَا الضَّعْفَ تُرْعِدُ وَ تُبْرِقُ‏ وَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) یَدْعُوهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ یُنَاشِدُهَا بِالْقَرَابَةِ وَ الرَّحِمِ فَتَأْبَى وَ لَا یَزِیدُهَا ذَلِکَ إِلَّا عُتُوّاً.

وَ فَارِسُهَا وَ فَارِسُ الْعَرَبِ یَوْمَئِذٍ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ، یَهْدِرُ کَالْبَعِیرِ الْمُغْتَلِمِ‏، یَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ وَ یَرْتَجِزُ وَ یَخْطُرُ بِرُمْحِهِ مَرَّةً وَ بِسَیْفِهِ مَرَّةً. لَا یُقْدِمُ عَلَیْهِ مُقْدِمٌ وَ لَا یَطْمَعُ فِیهِ طَامِعٌ وَ لَا حَمِیَّةٌ تُهَیِّجُهُ وَ لَا بَصِیرَةٌ تُشَجِّعُهُ.

فَأَنْهَضَنِی إِلَیْهِ رَسُولُ اللَّهِ(ص) وَ عَمَّمَنِی بِیَدِهِ وَ أَعْطَانِی سَیْفَهُ هَذَا وَ ضَرَبَ بِیَدِهِ إِلَى ذِی الْفَقَارِ فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ وَ نِسَاءُ أَهْلِ الْمَدِینَةِ بَوَاکٍ إِشْفَاقاً عَلَیَّ مِنِ ابْنِ عَبْدِ وُدٍّ. فَقَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِیَدِی وَ الْعَرَبُ لَا تَعْدِلُهَا فَارِساً غَیْرَهُ وَ ضَرَبَنِی هَذِهِ الضَّرْبَةَ َ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَى هَامَتِهِ. فَهَزَمَ اللَّهُ قُرَیْشاً وَ الْعَرَبَ بِذَلِکَ وَ بِمَا کَانَ مِنِّی فِیهِمْ مِنَ النِّکَایَةِ.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟  

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

وَ أَمَّا السَّادِسَةُ؛ حَتَّى إِذَا احْمَرَّتِ الْحَدَقُ

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا السَّادِسَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّا وَرَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(ص) مَدِینَةَ أَصْحَابِکَ خَیْبَرَ عَلَى رِجَالٍ مِنَ الْیَهُودِ وَ فُرْسَانِهَا مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهَا فَتَلَقَّوْنَا بِأَمْثَالِ الْجِبَالِ مِنَ الْخَیْلِ وَ الرِّجَالِ وَ السِّلَاحِ وَ هُمْ فِی أَمْنَعِ دَارٍ وَ أَکْثَرِ عَدَدٍ؛ کُلٌّ یُنَادِی وَ یَدْعُو وَ یُبَادِرُ إِلَى الْقِتَالِ. فَلَمْ یَبْرُزْ إِلَیْهِمْ مِنْ أَصْحَابِی أَحَدٌ إِلَّا قَتَلُوهُ، حَتَّى إِذَا احْمَرَّتِ الْحَدَقُ وَ دُعِیتُ إِلَى النِّزَالِ وَ أَهَمَّتْ کُلُّ امْرِئٍ نَفْسَهُ وَ الْتَفَتَ بَعْضُ أَصْحَابِی إِلَى بَعْضٍ وَ کُلٌّ یَقُولُ: یَا أَبَا الْحَسَنِ انْهَضْ.

فَأَنْهَضَنِی رَسُولُ اللَّهِ(ص) إِلَى دَارِهِمْ. فَلَمْ یَبْرُزْ إِلَیَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ وَ لَا یَثْبُتُ لِی فَارِسٌ إِلَّا طَحَنْتُهُ.

ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَیْهِمْ شِدَّةَ اللَّیْثِ عَلَى فَرِیسَتِهِ، حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ جَوْفَ مَدِینَتِهِمْ مُسَدِّداً عَلَیْهِمْ، فَاقْتَلَعْتُ بَابَ حِصْنِهِمْ بِیَدِی، حَتَّى دَخَلْتُ عَلَیْهِمْ مَدِینَتَهُمْ وَحْدِی، أَقْتُلُ مَنْ یَظْهَرُ فِیهَا مِنْ رِجَالِهَا وَ أَسْبِی مَنْ أَجِدُ مِنْ نِسَائِهَا، حَتَّى افْتَتَحْتُهَا وَحْدِی وَ لَمْ یَکُنْ لِی فِیهَا مُعَاوِنٌ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

وَ أَمَّا السَّابِعَةُ؛ وَ لَوْ قَدَرَ أَنْ یَضَعَ عَلَى کُلِّ جَبَلٍ مِنِّی إِرْباً لَفَعَلَ

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا السَّابِعَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ(ص) لَمَّا تَوَجَّهَ لِفَتْحِ مَکَّةَ أَحَبَّ أَنْ یُعْذِرَ إِلَیْهِمْ وَ یَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ آخِراً کَمَا دَعَاهُمْ أَوَّلًا.

فَکَتَبَ إِلَیْهِمْ کِتَاباً یُحَذِّرُهُمْ فِیهِ وَ یُنْذِرُهُمْ عَذَابَ اللَّهِ وَ یَعِدُهُمُ الصَّفْحَ وَ یُمَنِّیهِمْ مَغْفِرَةَ رَبِّهِمْ وَ نَسَخَ لَهُمْ فِی آخِرِهِ سُورَةَ بَرَاءَةَ لِیَقْرَأَهَا عَلَیْهِمْ.

ثُمَّ عَرَضَ عَلَى جَمِیعِ أَصْحَابِهِ الْمُضِیَّ بِهِ فَکُلُّهُمْ یَرَى التَّثَاقُلَ فِیهِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِکَ، نَدَبَ مِنْهُمْ رَجُلًا فَوَجَّهَهُ بِهِ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِیلُ فَقَالَ: یَا مُحَمَّدُ لَا یُؤَدِّی عَنْکَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْکَ.

فَأَنْبَأَنِی رَسُولُ اللَّهِ(ص) بِذَلِکَ وَ وَجَّهَنِی بِکِتَابِهِ وَ رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ مَکَّةَ فَأَتَیْتُ مَکَّةَ، وَ أَهْلُهَا مَنْ قَدْ عَرَفْتُمْ، لَیْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَ لَوْ قَدَرَ أَنْ یَضَعَ عَلَى کُلِّ جَبَلٍ مِنِّی إِرْباً لَفَعَلَ وَ لَوْ أَنْ یَبْذُلَ فِی ذَلِکَ نَفْسَهُ وَ أَهْلَهُ وَ وُلْدَهُ وَ مَالَهُ.

فَبَلَّغْتُهُمْ رِسَالَةَ النَّبِیِّ(ص) وَ قَرَأْتُ عَلَیْهِمْ کِتَابَهُ. فَکُلُّهُمْ یَلْقَانِی بِالتَّهَدُّدِ وَ الْوَعِیدِ وَ یُبْدِی لِیَ الْبَغْضَاءَ وَ یُظْهِرُ الشَّحْنَاءَ مِنْ رِجَالِهِمْ وَ نِسَائِهِمْ. فَکَانَ مِنِّی فِی ذَلِکَ مَا قَدْ رَأَیْتُمْ.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.  

فَقَالَ(ع): یَا أَخَا الْیَهُودِ هَذِهِ الْمَوَاطِنُ الَّتِی امْتَحَنَنِی فِیهِ رَبِّی عَزَّ وَ جَلَّ مَعَ نَبِیِّهِ(ص)، فَوَجَدَنِی فِیهَا کُلِّهَا بِمَنِّهِ مُطِیعاً لَیْسَ لِأَحَدٍ فِیهَا مِثْلُ الَّذِی لِی وَ لَوْ شِئْتُ لَوَصَفْتُ ذَلِکَ وَ لَکِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ نَهَى عَنِ التَّزْکِیَةِ.

فَقَالُوا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صَدَقْتَ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاکَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْفَضِیلَةَ بِالْقَرَابَةِ مِنْ نَبِیِّنَا(ص) وَ أَسْعَدَکَ بِأَنْ جَعَلَکَ أَخَاهُ، تَنْزِلُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَ فَضَّلَکَ بِالْمَوَاقِفِ الَّتِی بَاشَرْتَهَا وَ الْأَهْوَالِ الَّتِی رَکِبْتَهَا وَ ذَخَرَ لَکَ الَّذِی ذَکَرْتَ وَ أَکْثَرَ مِنْهُ مِمَّا لَمْ تَذْکُرْهُ وَ مِمَّا لَیْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ مِثْلُهُ. یَقُولُ ذَلِکَ مَنْ شَهِدَکَ مِنَّا مَعَ نَبِیِّنَا(ص) وَ مَنْ شَهِدَکَ بَعْدَهُ.

[امْتَحَنَنِی بَعْدَ وَفَاةِ نَبِیِّهِ(ص) فِی سَبْعَةِ مَوَاطِنَ]

[وَ أَمَّا أَوَّلُهُنَّ؛ لَا یَشْغَلُنِی عَنْ ذَلِکَ، بَادِرُ دَمْعَةٍ وَ...]

فَأَخْبِرْنَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا امْتَحَنَکَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ بَعْدَ نَبِیِّنَا(ص) فَاحْتَمَلْتَهُ وَ صَبَرْتَ فَلَوْ شِئْنَا أَنْ نَصِفَ ذَلِکَ لَوَصَفْنَاه عِلْماً مِنَّا بِهِ وَ ظُهُوراً مِنَّا عَلَیْهِ إِلَّا أَنَّا نُحِبُّ أَنْ نَسْمَعَ مِنْکَ ذَلِکَ کَمَا سَمِعْنَا مِنْکَ مَا امْتَحَنَکَ اللَّهُ بِهِ فِی حَیَاتِهِ فَأَطَعْتَهُ فِیه‏.

فَقَالَ(ع): یَا أَخَا الْیَهُودِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ امْتَحَنَنِی بَعْدَ وَفَاةِ نَبِیِّهِ(ص) فِی سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فَوَجَدَنِی فِیهِنَّ مِنْ غَیْرِ تَزْکِیَةٍ لِنَفْسِی بِمَنِّهِ وَ نِعْمَتِهِ صَبُوراً.

وَ أَمَّا أَوَّلُهُنَّ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّهُ لَمْ یَکُنْ، لِی خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِینَ عَامَّةً، أَحَدٌ آنَسُ بِهِ أَوْ أَعْتَمِدُ عَلَیْهِ أَوْ أَسْتَنِیمُ إِلَیْهِ أَوْ أَتَقَرَّبُ بِهِ غَیْرُ رَسُولِ اللَّهِ(ص).

هُوَ رَبَّانِی صَغِیراً وَ بَوَّأَنِی کَبِیراً وَ کَفَانِی الْعَیْلَةَ وَ جَبَرَنِی مِنَ الْیُتْمِ وَ أَغْنَانِی عَنِ الطَّلَبِ وَ وَقَانِیَ الْمَکْسَبَ وَ عَالَ لِیَ النَّفْسَ وَ الْوَلَدَ وَ الْأَهْلَ. هَذَا فِی تَصَارِیفِ أَمْرِ الدُّنْیَا مَعَ مَا خَصَّنِی بِهِ مِنَ الدَّرَجَاتِ الَّتِی قَادَتْنِی إِلَى مَعَالِی الْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.

فَنَزَلَ بِی مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ(ص) مَا لَمْ أَکُنْ أَظُنُّ الْجِبَالَ لَوْ حَمَلَتْهُ عَنْوَةً کَانَتْ تَنْهَضُ بِهِ. فَرَأَیْتُ النَّاسَ مِنْ‏ أَهْلِ بَیْتِی مَا بَیْنَ جَازِعٍ لَا یَمْلِکُ جَزَعَهُ وَ لَا یَضْبِطُ نَفْسَهُ وَ لَا یَقْوَى عَلَى حَمْلِ فَادِحِ مَا نَزَلَ بِهِ قَدْ أَذْهَبَ الْجَزَعُ صَبْرَهُ وَ أَذْهَلَ عَقْلَهُ وَ حَالَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْفَهْمِ وَ الْإِفْهَامِ وَ الْقَوْلِ وَ الْإِسْمَاعِ وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْ غَیْرِ بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَیْنَ مُعَزٍّ یَأْمُرُ بِالصَّبْرِ وَ بَیْنَ مُسَاعِدٍ بَاکٍ لِبُکَائِهِمْ جَازِعٍ لِجَزَعِهِمْ.

وَ حَمَلْتُ نَفْسِی عَلَى الصَّبْرِ عِنْدَ وَفَاتِهِ بِلُزُومِ الصَّمْتِ وَ الِاشْتِغَالِ بِمَا أَمَرَنِی بِهِ مِنْ تَجْهِیزِهِ وَ تَغْسِیلِهِ وَ تَحْنِیطِهِ وَ تَکْفِینِهِ وَ الصَّلَاةِ عَلَیْهِ وَ وَضْعِهِ فِی حُفْرَتِهِ وَ جَمْعِ کِتَابِ اللَّهِ وَ عَهْدِهِ إِلَى خَلْقِهِ.

لَا یَشْغَلُنِی عَنْ ذَلِکَ، بَادِرُ دَمْعَةٍ وَ لَا هَائِجُ زَفْرَةٍ وَ لَا لَاذِعُ حُرْقَةٍ وَ لَا جَزِیلُ مُصِیبَةٍ حَتَّى أَدَّیْتُ فِی ذَلِکَ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ(ص) عَلَیَّ وَ بَلَّغْتُ مِنْهُ الَّذِی أَمَرَنِی بِهِ وَ احْتَمَلْتُهُ صَابِراً مُحْتَسِباً.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

[وَ أَمَّا الثَّانِیَةُ؛ فَکَانَ هَذَا أَقْرَحُ مَا وَرَدَ عَلَى قَلْبِی مَعَ الَّذِی أَنَا فِیهِ مِنْ عَظِیمِ الرَّزِیَّةِ]

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا الثَّانِیَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ(ص) أَمَّرَنِی فِی حَیَاتِهِ عَلَى جَمِیعِ أُمَّتِهِ وَ أَخَذَ عَلَى جَمِیعِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْهُمُ الْبَیْعَةَ وَ السَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ لِأَمْرِی وَ أَمَرَهُمْ أَنْ یُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ذَلِکَ.

فَکُنْتُ الْمُؤَدِّیَ إِلَیْهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(ص) أَمْرَهُ إِذَا حَضَرْتُهُ وَ الْأَمِیرَ عَلَى مَنْ حَضَرَنِی مِنْهُمْ إِذَا فَارَقْتُهُ لَا تَخْتَلِجُ فِی نَفْسِی مُنَازَعَةُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ لِی فِی شَیْ‏ءٍ مِنَ الْأَمْرِ فِی حَیَاةِ النَّبِیِّ(ص) وَ لَا بَعْدَ وَفَاتِهِ.

ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) بِتَوْجِیهِ الْجَیْشِ الَّذِی وَجَّهَهُ مَعَ أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ عِنْدَ الَّذِی أَحْدَثَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَرَضِ الَّذِی تَوَفَّاهُ فِیهِ فَلَمْ یَدَعِ النَّبِیُّ أَحَداً مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ وَ لَا مِنَ الْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ وَ غَیْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ مِمَّنْ یَخَافُ عَلَى نَقْضِهِ وَ مُنَازَعَتِهِ وَ لَا أَحَداً مِمَّنْ یَرَانِی بِعَیْنِ الْبَغْضَاءِ مِمَّنْ قَدْ وَتَرْتُهُ بِقَتْلِ أَبِیهِ أَوْ أَخِیهِ أَوْ حَمِیمِهِ إِلَّا وَجَّهَهُ فِی ذَلِکَ الْجَیْشِ وَ لَا مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ الْمُسْلِمِینَ وَ غَیْرِهِمْ‏ وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ الْمُنَافِقِینَ لِتَصْفُوَ قُلُوبُ مَنْ یَبْقَى مَعِی بِحَضْرَتِهِ وَ لِئَلَّا یَقُولَ قَائِلٌ شَیْئاً مِمَّا أَکْرَهُهُ وَ لَا یَدْفَعُنِی دَافِعٌ مِنَ الْوِلَایَةِ وَ الْقِیَامِ بِأَمْرِ رَعِیَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ.

ثُمَّ کَانَ آخِرُ مَا تَکَلَّمَ بِهِ فِی شَیْ‏ءٍ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِهِ أَنْ یَمْضِیَ جَیْشُ أُسَامَةَ وَ لَا یَتَخَلَّفَ عَنْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ أُنْهِضَ مَعَهُ وَ تَقَدَّمَ فِی ذَلِکَ أَشَدَّ التَّقَدُّمِ وَ أَوْعَزَ فِیهِ أَبْلَغَ الْإِیعَازِ وَ أَکَّدَ فِیهِ أَکْثَرَ التَّأْکِیدِ.

فَلَمْ أَشْعُرْ بَعْدَ أَنْ قُبِضَ النَّبِیُّ(ص) إِلَّا بِرِجَالٍ مِنْ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ وَ أَهْلِ عَسْکَرِهِ قَدْ تَرَکُوا مَرَاکِزَهُمْ وَ أَخَلُّوا مَوَاضِعَهُمْ وَ خَالَفُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ(ص) فِیمَا أَنْهَضَهُمْ لَهُ وَ أَمَرَهُمْ بِهِ وَ تَقَدَّمَ إِلَیْهِمْ مِنْ مُلَازَمَةِ أَمِیرِهِمْ وَ السَّیْرِ مَعَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ حَتَّى یُنْفَذَ لِوَجْهِهِ الَّذِی أَنْفَذَهُ إِلَیْهِ، فَخَلَّفُوا أَمِیرَهُمْ مُقِیماً فِی عَسْکَرِهِ وَ أَقْبَلُوا یَتَبَادَرُونَ عَلَى الْخَیْلِ رَکْضاً إِلَى حَلِّ عُقْدَةٍ عَقَدَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِی وَ لِرَسُولِهِ(ص) فِی أَعْنَاقِهِمْ. فَحَلُّوهَا وَ عَهْدٍ عَاهَدُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَنَکَثُوهُ وَ عَقَدُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَقْداً ضَجَّتْ بِهِ أَصْوَاتُهُمْ وَ اخْتَصَّتْ بِهِ آرَاؤُهُمْ مِنْ غَیْرِ مُنَاظَرَةٍ لِأَحَدٍ مِنَّا بَنِی عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ مُشَارَکَةٍ فِی رَأْیٍ أَوْ اسْتِقَالَةٍ لِمَا فِی أَعْنَاقِهِمْ مِنْ بَیْعَتِی.

فَعَلُوا ذَلِکَ وَ أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ(ص) مَشْغُولٌ وَ بِتَجْهِیزِهِ عَنْ سَائِرِ الْأَشْیَاءِ مَصْدُودٌ. فَإِنَّهُ کَانَ أَهَمَّهَا وَ أَحَقَّ مَا بُدِئَ بِهِ مِنْهَا.

فَکَانَ هَذَا یَا أَخَا الْیَهُودِ، أَقْرَحُ مَا وَرَدَ عَلَى قَلْبِی مَعَ الَّذِی أَنَا فِیهِ مِنْ عَظِیمِ الرَّزِیَّةِ وَ فَاجِعِ الْمُصِیبَةِ وَ فَقْدِ مَنْ لَا خَلَفَ مِنْهُ إِلَّا اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى. فَصَبَرْتُ عَلَیْهَا إِذَا أَتَتْ بَعْدَ أُخْتِهَا عَلَى تَقَارُبِهَا وَ سُرْعَةِ اتِّصَالِهَا.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟  

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ .

[وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ ؛ فَکُنْتُ أَحَقَّ مَنْ لَمْ یُفَرِّقْ هَذِهِ الْعُصْبَةَ الَّتِی أَلَّفَهَا رَسُولُ اللَّهِ]

وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ: فَإِنَّ الْقَائِمَ بَعْدَ النَّبِیِّ(ص) کَانَ یَلْقَانِی مُعْتَذِراً فِی کُلِّ أَیَّامِهِ وَ یَلُومُ غَیْرَهُ مَا ارْتَکَبَهُ مِنْ أَخْذِ حَقِّی وَ نَقْضِ بَیْعَتِی وَ یَسْأَلُنِی تَحْلِیلَهُ.

فَکُنْتُ أَقُولُ تَنْقَضِی أَیَّامُهُ ثُمَّ یَرْجِعُ إِلَیَّ حَقِّیَ الَّذِی جَعَلَهُ اللَّهُ لِی عَفْواً هَنِیئاً مِنْ غَیْرِ أَنْ أُحْدِثَ فِی الْإِسْلَامِ مَعَ حُدُوثِهِ وَ قُرْبِ عَهْدِهِ بِالْجَاهِلِیَّةِ حَدَثاً فِی طَلَبِ حَقِّی بِمُنَازَعَةٍ لَعَلَّ فُلَاناً یَقُولُ فِیهَا نَعَمْ وَ فُلَاناً یَقُولُ لَا، فَیَئُولُ ذَلِکَ مِنَ الْقَوْلِ إِلَى الْفِعْلِ.

وَ جَمَاعَةٍ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ(ص) أَعْرِفُهُمْ بِالنُّصْحِ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِکِتَابِهِ وَ دِینِهِ الْإِسْلَامِ یَأْتُونِّی عَوْداً وَ بَدْءاً وَ عَلَانِیَةً وَ سِرّاً فَیَدْعُونِّی إِلَى أَخْذِ حَقِّی وَ یَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِی نُصْرَتِی لِیُؤَدُّوا إِلَیَّ بِذَلِکَ بَیْعَتِی فِی أَعْنَاقِهِمْ. فَأَقُولُ رُوَیْداً وَ صَبْراً قَلِیلًا لَعَلَّ اللَّهَ یَأْتِینِی بِذَلِکَ عَفْواً بِلَا مُنَازَعَةٍ وَ لَا إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ.

فَقَدِ ارْتَابَ کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِیِّ(ص)، وَ طَمِعَ فِی الْأَمْرِ بَعْدَهُ مَنْ لَیْسَ لَهُ بِأَهْلٍ، فَقَالَ کُلُّ قَوْمٍ مِنَّا أَمِیرٌ وَ مَا طَمِعَ الْقَائِلُونَ فِی ذَلِکَ إِلَّا لِتَنَاوُلِ غَیْرِیَ الْأَمْرَ.

فَلَمَّا دَنَتْ وَفَاةُ الْقَائِمِ وَ انْقَضَتْ أَیَّامُهُ صَیَّرَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ لِصَاحِبِهِ، فَکَانَتْ هَذِهِ أُخْتَ أُخْتِهَا وَ مَحَلُّهَا مِنِّی مِثْلَ مَحَلِّهَا وَ أَخَذَ مِنِّی مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِی.

فَاجْتَمَعَ إِلَیَّ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ(ص) مِمَّنْ مَضَى وَ مِمَّنْ بَقِیَ مِمَّنْ أَخَّرَهُ اللَّهُ مَنِ اجْتَمَعَ فَقَالُوا لِی فِیهَا مِثْلَ الَّذِی قَالُوا فِی أُخْتِهَا فَلَمْ یَعْدُ قَوْلِیَ الثَّانِی قَوْلِیَ الْأَوَّلَ؛ صَبْراً وَ احْتِسَاباً وَ یَقِیناً.

وَ إِشْفَاقاً مِنْ أَنْ تَفْنَى عُصْبَةٌ تَأَلَّفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ(ص) بِاللِّینِ مَرَّةً وَ بِالشِّدَّةِ أُخْرَى وَ بِالنُّذُرِ مَرَّةً وَ بِالسَّیْفِ أُخْرَى.

حَتَّى لَقَدْ کَانَ مِنْ تَأَلُّفِهِ لَهُمْ أَنْ کَانَ النَّاسُ فِی الْکَرِّ وَ الْفِرَارِ وَ الشِّبَعِ وَ الرَّیِّ وَ اللِّبَاسِ وَ الْوِطَاءِ وَ الدِّثَارِ وَ نَحْنُ أَهْلُ بَیْتِ مُحَمَّدٍ(ص) لَا سُقُوفَ لِبُیُوتِنَا وَ لَا أَبْوَابَ وَ لَا سُتُورَ إِلَّا الْجَرَائِدُ وَ مَا أَشْبَهَهَا وَ لَا وِطَاءَ لَنَا وَ لَا دِثَارَ عَلَیْنَا، یَتَدَاوَلُ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ فِی الصَّلَاةِ أَکْثَرُنَا وَ نَطْوِی اللَّیَالِیَ وَ الْأَیَّامَ عَامَّتُنَا، وَ رُبَّمَا أَتَانَا الشَّیْ‏ءُ مِمَّا أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَیْنَا وَ صَیَّرَهُ لَنَا خَاصَّةً دُونَ غَیْرِنَا وَ نَحْنُ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ حَالِنَا فَیُؤْثِرُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ(ص) أَرْبَابَ النِّعَمِ وَ الْأَمْوَالِ، تَأَلُّفاً مِنْهُ لَهُمْ.

فَکُنْتُ أَحَقَّ مَنْ لَمْ یُفَرِّقْ هَذِهِ الْعُصْبَةَ الَّتِی أَلَّفَهَا رَسُولُ اللَّهِ(ص) وَ لَمْ یَحْمِلْهَا عَلَى الْخَطَّةِ الَّتِی لَا خَلَاصَ لَهَا، مِنْهَا دُونَ بُلُوغِهَا أَوْ فَنَاءِ آجَالِهَا.

لِأَنِّی لَوْ نَصَبْتُ نَفْسِی فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى نُصْرَتِی، کَانُوا مِنِّی وَ فِی أَمْرِی عَلَى إِحْدَى مَنْزِلَتَیْنِ: إِمَّا مُتَّبِعٍ مُقَاتِلٍ وَ إِمَّا مَقْتُولٍ إِنْ لَمْ یَتَّبِعِ الْجَمِیعَ، وَ إِمَّا خَاذِلٍ یَکْفُرُ بِخِذْلَانِهِ، إِنْ قَصَّرَ فِی نُصْرَتِی أَوْ أَمْسَکَ عَنْ طَاعَتِی. وَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّی مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؛ یَحُلُّ بِهِ فِی مُخَالَفَتِی وَ الْإِمْسَاکِ عَنْ نُصْرَتِی مَا أَحَلَّ قَوْمُ مُوسَى بِأَنْفُسِهِمْ فِی مُخَالَفَةِ هَارُونَ وَ تَرْکِ طَاعَتِهِ.

وَ رَأَیْتُ تَجَرُّعَ الْغُصَصِ وَ رَدَّ أَنْفَاسِ الصُّعَدَاءِ وَ لُزُومَ الصَّبْرِ حَتَّى یَفْتَحَ اللَّهُ أَوْ یَقْضِیَ بِمَا أَحَبَّ أَزْیَدَ لِی فِی حَظِّی وَ أَرْفَقَ بِالْعِصَابَةِ الَّتِی وَصَفْتُ أَمْرَهُمْ. «وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً» (الأحزاب/38)

وَ لَوْ لَمْ أَتَّقِ هَذِهِ الْحَالَةَ یَا أَخَا الْیَهُودِ، ثُمَّ طَلَبْتُ حَقِّی، لَکُنْتُ أَوْلَى مِمَّنْ طَلَبَهُ لِعِلْمِ مَنْ مَضَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَنْ بِحَضْرَتِکَ مِنْهُمْ بِأَنِّی کُنْتُ أَکْثَرَ عَدَداً وَ أَعَزَّ عَشِیرَةً وَ أَمْنَعَ رِجَالًا وَ أَطْوَعَ أَمْراً وَ أَوْضَحَ حُجَّةً وَ أَکْثَرَ فِی هَذَا الدِّینِ مَنَاقِبَ وَ آثَاراً لِسَوَابِقِی وَ قَرَابَتِی وَ وِرَاثَتِی، فَضْلًا عَنِ اسْتِحْقَاقِی ذَلِکَ بِالْوَصِیَّةِ الَّتِی لَا مَخْرَجَ لِلْعِبَادِ مِنْهَا وَ الْبَیْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِی أَعْنَاقِهِمْ مِمَّنْ تَنَاوَلَهَا.

وَ قَدْ قُبِضَ مُحَمَّدٌ(ص) وَ إِنَّ وِلَایَةَ الْأُمَّةِ فِی یَدِهِ وَ فِی بَیْتِهِ لَا فِی یَدِ الْأُولَى تَنَاوَلُوهَا وَ لَا فِی بُیُوتِهِمْ. وَ لَأَهْلُ بَیْتِهِ الَّذِینَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِیراً، أَوْلَى بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَیْرِهِ فِی جَمِیعِ الْخِصَالِ.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟  

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

[أَمَّا الرَّابِعَةُ؛ فَکَانَتْ هَذِهِ أَکْبَرَ مِنْ أُخْتِهَا]

امام(ع) فرمود: اما امتحان چهارم ای مرد یهودی!

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا الرَّابِعَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ؛ فَإِنَّ الْقَائِمَ بَعْدَ صَاحِبِهِ کَانَ یُشَاوِرُنِی فِی مَوَارِدِ الْأُمُورِ، فَیُصْدِرُهَا عَنْ أَمْرِی وَ یُنَاظِرُنِی فِی غَوَامِضِهَا فَیُمْضِیهَا عَنْ رَأْیِی؛ لَا أَعْلَمُ أَحَداً وَ لَا یَعْلَمُهُ أَصْحَابِی، یُنَاظِرُهُ فِی ذَلِکَ غَیْرِی وَ لَا یَطْمَعُ فِی الْأَمْرِ بَعْدَهُ سِوَایَ.

فَلَمَّا أَنْ أَتَتْهُ‏ مَنِیَّتُهُ عَلَى فَجْأَةٍ بِلَا مَرَضٍ کَانَ قَبْلَهُ وَ لَا أَمْرٍ کَانَ أَمْضَاهُ فِی صِحَّةٍ مِنْ بَدَنِهِ، لَمْ أَشُکَّ أَنِّی قَدِ اسْتُرْجِعْتُ حَقِّی فِی عَافِیَةٍ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِی کُنْتُ أَطْلُبُهَا وَ الْعَاقِبَةِ الَّتِی کُنْتُ أَلْتَمِسُهَا وَ أَنَّ اللَّهَ سَیَأْتِی بِذَلِکَ عَلَى أَحْسَنِ مَا رَجَوْتُ وَ أَفْضَلِ مَا أَمَّلْتُ.

وَ کَانَ مِنْ فِعْلِهِ أَنْ خَتَمَ أَمْرَهُ بِأَنْ سَمَّى قَوْماً أَنَا سَادِسُهُمْ وَ لَمْ یَسْتَوِنِی بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَ لَا ذَکَرَ لِی حَالًا فِی وِرَاثَةِ الرَّسُولِ وَ لَا قَرَابَةٍ وَ لَا صِهْرٍ وَ لَا نَسَبٍ. وَ لَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ سَابِقَةٍ مِنْ سَوَابِقِی وَ لَا أَثَرٍ مِنْ آثَارِی.

وَ صَیَّرَهَا شُورَى بَیْنَنَا وَ صَیَّرَ ابْنَهُ فِیهَا حَاکِماً عَلَیْنَا وَ أَمَرَهُ أَنْ یَضْرِبَ أَعْنَاقَ النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِینَ صَیَّرَ الْأَمْرَ فِیهِمْ إِنْ لَمْ یُنْفِذُوا أَمْرَهُ. وَ کَفَى بِالصَّبْرِ عَلَى هَذَا یَا أَخَا الْیَهُودِ صَبْراً.

فَمَکَثَ الْقَوْمُ أَیَّامَهُمْ کُلَّهَا کُلٌّ یَخْطُبُ لِنَفْسِهِ وَ أَنَا مُمْسِکٌ عَنْ أَنْ سَأَلُونِی عَنْ أَمْرِی.

فَنَاظَرْتُهُمْ فِی أَیَّامِی وَ أَیَّامِهِمْ وَ آثَارِی وَ آثَارِهِمْ وَ أَوْضَحْتُ لَهُمْ مَا لَمْ یَجْهَلُوهُ مِنْ وُجُوهِ اسْتِحْقَاقِی لَهَا دُونَهُمْ وَ ذَکَرْتُهُمْ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ(ص) إِلَیْهِمْ وَ تَأْکِیدَ مَا أَکَّدَهُ مِنَ الْبَیْعَةِ لِی فِی أَعْنَاقِهِمْ.

دَعَاهُمْ حُبُّ الْإِمَارَةِ وَ بَسْطُ الْأَیْدِی وَ الْأَلْسُنِ فِی الْأَمْرِ وَ النَّهْیِ وَ الرُّکُونِ إِلَى الدُّنْیَا وَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمَاضِینَ قَبْلَهُمْ إِلَى تَنَاوُلِ مَا لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُمْ.

فَإِذَا خَلَوْتُ بِالْوَاحِدِ ذَکَّرْتُهُ أَیَّامَ اللَّهِ وَ حَذَّرْتُهُ مَا هُوَ قَادِمٌ عَلَیْهِ وَ صَائِرٌ إِلَیْهِ، الْتَمَسَ مِنِّی شَرْطاً أَنْ أُصَیِّرَهَا لَهُ بَعْدِی.

فَلَمَّا لَمْ یَجِدُوا عِنْدِی إِلَّا الْمَحَجَّةَ الْبَیْضَاءَ وَ الْحَمْلَ عَلَى کِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ وَصِیَّةِ الرَّسُولِ وَ إِعْطَاءَ کُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَ مَنْعَهُ مَا لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ، أَزَالَهَا عَنِّی إِلَى ابْنِ عَفَّانَ؛ طَمَعاً فِی الشَّحِیحِ مَعَهُ فِیهَا.

وَ ابْنُ عَفَّانَ رَجُلٌ لَمْ یَسْتَوِ بِهِ وَ بِوَاحِدٍ مِمَّنْ حَضَرَهُ حَالٌ قَطُّ، فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهُمْ؛ لَا بِبَدْرٍ الَّتِی هِیَ سَنَامُ فَخْرِهِمْ وَ لَا غَیْرِهَا مِنَ الْمَآثِرِ الَّتِی أَکْرَمَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ وَ مَنِ اخْتَصَّهُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ(ع).

ثُمَّ لَمْ أَعْلَمِ الْقَوْمَ أَمْسَوْا مِنْ یَوْمِهِمْ ذَلِکَ حَتَّى ظَهَرَتْ نَدَامَتُهُمْ وَ نَکَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَ أَحَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ کُلٌّ یَلُومُ نَفْسَهُ وَ یَلُومُ أَصْحَابَهُ.

ثُمَّ لَمْ تَطُلِ الْأَیَّامُ بِالْمُسْتَبِدِّ بِالْأَمْرِ ابْنِ عَفَّانَ حَتَّى أَکْفَرُوهُ وَ تَبَرَّءُوا مِنْهُ وَ مَشَى إِلَى أَصْحَابِهِ خَاصَّةً وَ سَائِرِ أَصْحَابِ‏ رَسُولِ اللَّهِ(ص) عَامَّةً، یَسْتَقِیلُهُمْ مِنْ بَیْعَتِهِ وَ یَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ فَلْتَتِهِ.

فَکَانَتْ هَذِهِ یَا أَخَا الْیَهُودِ أَکْبَرَ مِنْ أُخْتِهَا وَ أَفْظَعَ وَ أَحْرَى أَنْ لَا یُصْبَرَ عَلَیْهَا، فَنَالَنِی مِنْهَا الَّذِی لَا یَبْلُغُ وَصْفُهُ وَ لَا یُحَدُّ وَقْتُهُ وَ لَمْ یَکُنْ عِنْدِی فِیهَا إِلَّا الصَّبْرُ عَلَى مَا أَمَضُّ وَ أَبْلَغُ مِنْهَا.

وَ لَقَدْ أَتَانِی الْبَاقُونَ مِنَ السِّتَّةِ مِنْ یَوْمِهِمْ کُلٌّ رَاجِعٌ عَمَّا کَانَ رَکِبَ مِنِّی یَسْأَلُنِی خَلْعَ ابْنِ عَفَّانَ وَ الْوُثُوبَ عَلَیْهِ وَ أَخْذَ حَقِّی. وَ یُؤْتِینِی صَفْقَتَهُ وَ بَیْعَتَهُ عَلَى الْمَوْتِ تَحْتَ رَایَتِی أَوْ یَرُدَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَیَّ حَقِّی.

فَوَ اللَّهِ یَا أَخَا الْیَهُودِ مَا مَنَعَنِی مِنْهَا إِلَّا الَّذِی مَنَعَنِی مِنْ أُخْتَیْهَا قَبْلَهَا. وَ رَأَیْتُ الْإِبْقَاءَ عَلَى مَنْ بَقِیَ مِنَ الطَّائِفَةِ أَبْهَجَ لِی وَ آنَسَ لِقَلْبِی مِنْ فَنَائِهَا وَ عَلِمْتُ أَنِّی إِنْ حَمَلْتُهَا عَلَى دَعْوَةِ الْمَوْتِ رَکِبْتُهُ.

فَأَمَّا نَفْسِی فَقَدْ عَلِمَ مَنْ حَضَرَ مِمَّنْ تَرَى وَ مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ(ص) أَنَّ الْمَوْتَ عِنْدِی بِمَنْزِلَةِ الشَّرْبَةِ الْبَارِدَةِ فِی الْیَوْمِ الشَّدِیدِ الْحَرِّ مِنْ ذِی الْعَطَشِ الصَّدَى وَ لَقَدْ کُنْتُ عَاهَدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولَهُ(ص) أَنَا وَ عَمِّی حَمْزَةُ وَ أَخِی جَعْفَرٌ وَ ابْنُ عَمِّی عُبَیْدَةُ عَلَى أَمْرٍ وَفَیْنَا بِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ فَتَقَدَّمَنِی أَصْحَابِی وَ تَخَلَّفْتُ بَعْدَهُمْ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِینَا: «مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلًا» (الأحزاب/23) حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ وَ عُبَیْدَةُ؛ وَ أَنَا وَ اللَّهِ الْمُنْتَظِرُ یَا أَخَا الْیَهُودِ وَ مَا بَدَّلْتُ تَبْدِیلًا.

وَ مَا سَکَّتَنِی عَنِ ابْنِ عَفَّانَ وَ حَثَّنِی عَلَى الْإِمْسَاکِ عَنْهُ إِلَّا أَنِّی عَرَفْتُ مِنْ أَخْلَاقِهِ فِیمَا اخْتَبَرْتُ مِنْهُ بِمَا لَنْ یَدَعَهُ حَتَّى یَسْتَدْعِیَ الْأَبَاعِدَ إِلَى قَتْلِهِ وَ خَلْعِهِ فَضْلًا عَنِ الْأَقَارِبِ.

وَ أَنَا فِی عُزْلَةٍ فَصَبَرْتُ حَتَّى کَانَ ذَلِکَ. لَمْ أَنْطِقْ فِیهِ بِحَرْفٍ مِنْ لَا وَ لَا نَعَمْ.

ثُمَّ أَتَانِی الْقَوْمُ وَ أَنَا عَلِمَ اللَّهُ کَارِهٌ لِمَعْرِفَتِی بِمَا تَطَاعَمُوا بِهِ مِنِ اعْتِقَالِ الْأَمْوَالِ وَ الْمَرَحِ فِی الْأَرْضِ وَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ تِلْکَ لَیْسَتْ لَهُمْ عِنْدِی وَ شَدِیدُ عَادَةٍ مُنْتَزَعَةٌ. فَلَمَّا لَمْ یَجِدُوا عِنْدِی تَعَلَّلُوا الْأَعَالِیلَ.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟  

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

[وَ أَمَّا الْخَامِسَةُ؛ فَوَقَفْتُ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى اثْنَتَیْنِ؛ کِلْتَاهُمَا فِی مَحَلِّهِ الْمَکْرُوهِ]

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا الْخَامِسَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ الْمُتَابِعِینَ لِی، لَمَّا لَمْ یَطْمَعُوا فِی تِلْکَ مِنِّی، وَثَبُوا بِالْمَرْأَةِ عَلَیَّ وَ أَنَا وَلِیُّ أَمْرِهَا وَ الْوَصِیُّ عَلَیْهَا. فَحَمَلُوهَا عَلَى الْجَمَلِ وَ شَدُّوهَا عَلَى الرِّحَالِ وَ أَقْبَلُوا بِهَا تَخْبِطُ الْفَیَافِیَ وَ تَقْطَعُ الْبَرَارِیَ وَ تَنْبَحُ عَلَیْهَا کِلَابُ الْحَوْأَبِ وَ تَظْهَرُ لَهُمْ عَلَامَاتُ النَّدَمِ فِی کُلِّ سَاعَةٍ وَ عِنْدَ کُلِّ حَالٍ فِی عُصْبَةٍ قَدْ بَایَعُونِی ثَانِیَةً بَعْدَ بَیْعَتِهِمُ الْأُولَى فِی حَیَاةِ النَّبِیِّ(ص).

حَتَّى أَتَتْ أَهْلَ بَلْدَةٍ قَصِیرَةٍ أَیْدِیهِمْ طَوِیلَةٍ لِحَاهُمْ، قَلِیلَةٍ عُقُولُهُمْ، عَازِبَةٍ آرَاؤُهُمْ، وَ هُمْ جِیرَانُ بَدْوٍ وَ وُرَّادُ بَحْرٍ. فَأَخْرَجَتْهُمْ یَخْبِطُونَ بِسُیُوفِهِمْ مِنْ غَیْرِ عِلْمٍ وَ یَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ بِغَیْرِ فَهْمٍ.

فَوَقَفْتُ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى اثْنَتَیْنِ؛ کِلْتَاهُمَا فِی مَحَلِّهِ الْمَکْرُوهِ؛ مِمَّنْ إِنْ کَفَفْتُ لَمْ یَرْجِعْ وَ لَمْ یَعْقِلْ، وَ إِنْ أَقَمْتُ کُنْتُ قَدْ صِرْتُ إِلَى الَّتِی کَرِهْتُ. فَقَدَّمْتُ الْحُجَّةَ بِالْإِعْذَارِ وَ الْإِنْذَارِ وَ دَعَوْتُ الْمَرْأَةَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى بَیْتِهَا، وَ الْقَوْمَ الَّذِینَ حَمَلُوهَا عَلَى الْوَفَاءِ بِبَیْعَتِهِمْ لِی وَ التَّرْکِ لِنَقْضِهِمْ عَهْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِیَّ، وَ أَعْطَیْتُهُمْ مِنْ نَفْسِی کُلَّ الَّذِی قَدَرْتُ عَلَیْهِ وَ نَاظَرْتُ بَعْضَهُمْ فَرَجَعَ وَ ذَکَرْتُ فَذَکَرَ.

ثُمَّ أَقْبَلْتُ عَلَى النَّاسِ بِمِثْلِ ذَلِکَ فَلَمْ یَزْدَادُوا إِلَّا جَهْلًا وَ تَمَادِیاً وَ غَیّاً. فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا هِیَ، رَکِبْتُهَا مِنْهُمْ، فَکَانَتْ عَلَیْهِمُ الدَّبْرَةُ وَ بِهِمُ الْهَزِیمَةُ وَ لَهُمُ الْحَسْرَةُ وَ فِیهِمُ الْفَنَاءُ وَ الْقَتْلُ.

وَ حَمَلْتُ نَفْسِی عَلَى الَّتِی لَمْ أَجِدْ مِنْهَا بُدّاً وَ لَمْ یَسَعْنِی إِذْ فَعَلْتُ ذَلِکَ. وَ أَظْهَرْتُهُ آخِراً مِثْلَ الَّذِی وَسِعَنِی مِنْهُ أَوَّلًا مِنَ الْإِغْضَاءِ وَ الْإِمْسَاکِ، وَ رَأَیْتُنِی إِنْ أَمْسَکْتُ کُنْتُ مُعِیناً لَهُمْ عَلَیَّ بِإِمْسَاکِی عَلَى مَا صَارُوا إِلَیْهِ وَ طَمِعُوا فِیهِ مِنْ تَنَاوُلِ الْأَطْرَافِ وَ سَفْکِ الدِّمَاءِ وَ قَتْلِ الرَّعِیَّةِ وَ تَحْکِیمِ النِّسَاءِ النَّوَاقِصِ الْعُقُولِ وَ الْحُظُوظِ عَلَى کُلِّ حَالٍ؛ کَعَادَةِ بَنِی الْأَصْفَرِ وَ مَنْ مَضَى مِنْ مُلُوکِ سَبَإٍ وَ الْأُمَمِ الْخَالِیَةِ؛ فَأَصِیرُ إِلَى مَا کَرِهْتُ أَوَّلًا وَ آخِراً.

وَ قَدْ أَهْمَلْتُ الْمَرْأَةَ وَ جُنْدَهَا یَفْعَلُونَ مَا وَصَفْتُ بَیْنَ الْفَرِیقَیْنِ مِنَ النَّاسِ وَ لَمْ أَهْجِمْ عَلَى الْأَمْرِ، إِلَّا بَعْدَ مَا قَدَّمْتُ وَ أَخَّرْتُ وَ تَأَنَّیْتُ وَ رَاجَعْتُ وَ أَرْسَلْتُ وَ سَافَرْتُ وَ أَعْذَرْتُ وَ أَنْذَرْتُ وَ أَعْطَیْتُ الْقَوْمَ کُلَّ شَیْ‏ءٍ یَلْتَمِسُوهُ بَعْدَ أَنْ عَرَضْتُ عَلَیْهِمْ کُلَّ شَیْ‏ءٍ لَمْ یَلْتَمِسُوهُ. فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا تِلْکَ أَقْدَمْتُ عَلَیْهَا فَبَلَغَ اللَّهُ بِی وَ بِهِمْ مَا أَرَادَ وَ کَانَ لِی عَلَیْهِمْ بِمَا کَانَ مِنِّی إِلَیْهِمْ شَهِیداً.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

 

[أَمَّا السَّادِسَةُ؛ إِنْ لَمْ یَفْعَلْ فَأَلْحِقُوهُ بِابْنِ عَفَّانَ أَوْ ادْفَعُوهُ إِلَى ابْنِ هِنْدٍ بِرُمَّتِهِ.]

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا السَّادِسَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَتَحْکِیمُهُمُ الْحَکَمَیْنِ وَ مُحَارَبَةُ ابْنِ آکِلَةِ الْأَکْبَادِ وَ هُوَ طَلِیقٌ مُعَانِدٌ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ وَ الْمُؤْمِنِینَ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِ مَکَّةَ عَنْوَةً، فَأَخَذْتُ بَیْعَتَهُ وَ بَیْعَةَ أَبِیهِ لِی مَعَهُ فِی ذَلِکَ الْیَوْمِ وَ فِی ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ بَعْدَهُ.  وَ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ أَوَّلُ مَنْ سَلَّمَ عَلَیَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِینَ وَ جَعَلَ یَحُثُّنِی عَلَى النُّهُوضِ فِی أَخْذِ حَقِّی مِنَ الْمَاضِینَ قَبْلِی وَ یُجَدِّدُ لِی بَیْعَتَهُ کُلَّمَا أَتَانِی.

وَ أَعْجَبُ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى رَبِّی تَبَارَکَ وَ تَعَالَى قَدْ رَدَّ إِلَیَّ حَقِّی وَ أَقَرَّ فِی مَعْدِنِهِ وَ انْقَطَعَ طَمَعُهُ أَنْ یَصِیرَ فِی دِینِ اللَّهِ رَابِعاً وَ فِی أَمَانَةٍ حُمِّلْنَاهَا حَاکِماً، کَرَّ عَلَى الْعَاصِی بْنِ الْعَاصِ. فَاسْتَمَالَهُ، فَمَالَ إِلَیْهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَطْمَعَهُ مِصْرَ وَ حَرَامٌ عَلَیْهِ أَنْ یَأْخُذَ مِنَ الْفَیْ‏ءِ دُونَ قِسْمِهِ دِرْهَماً. وَ حَرَامٌ عَلَى الرَّاعِی إِیصَالُ دِرْهَمٍ إِلَیْهِ فَوْقَ حَقِّهِ.

فَأَقْبَلَ یَخْبِطُ الْبِلَادَ بِالظُّلْمِ وَ یَطَؤُهَا بِالْغَشْمِ فَمَنْ بَایَعَهُ أَرْضَاهُ وَ مَنْ خَالَفَهُ نَاوَاهُ.

ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَیَّ نَاکِثاً عَلَیْنَا مُغِیراً فِی الْبِلَادِ شَرْقاً وَ غَرْباً وَ یَمِیناً وَ شِمَالًا، وَ الْأَنْبَاءُ تَأْتِینِی وَ الْأَخْبَارُ تَرِدُ عَلَیَّ بِذَلِکَ.

فَأَتَانِی أَعْوَرُ ثَقِیفٍ فَأَشَارَ عَلَیَّ أَنْ أُوَلِّیَهُ الْبِلَادَ الَّتِی هُوَ بِهَا، لِأُدَارِیَهُ بِمَا أُوَلِّیهِ مِنْهَا. وَ فِی الَّذِی أَشَارَ بِهِ الرَّأْیُ‏ فِی أَمْرِ الدُّنْیَا؛ لَوْ وَجَدْتُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی تَوْلِیَتِهِ لِی مَخْرَجاً وَ أَصَبْتُ لِنَفْسِی فِی ذَلِکَ عُذْراً. فَأَعْلَمْتُ الرَّأْیَ فِی ذَلِکَ.

وَ شَاوَرْتُ مَنْ أَثِقُ بِنَصِیحَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ(ص) وَ لِی وَ لِلْمُؤْمِنِینَ فَکَانَ رَأْیُهُ فِی ابْنِ آکِلَةِ الْأَکْبَادِ کَرَأْیِی؛ یَنْهَانِی عَنْ تَوْلِیَتِهِ وَ یُحَذِّرُنِی أَنْ أُدْخِلَ فِی أَمْرِ الْمُسْلِمِینَ یَدَهُ وَ لَمْ یَکُنِ اللَّهُ لِیَرَانِی أَتَّخِذُ الْمُضِلِّینَ عَضُداً.

فَوَجَّهْتُ إِلَیْهِ أَخَا بَجِیلَةَ مَرَّةً وَ أَخَا الْأَشْعَرِیِّینَ مَرَّةً؛ کِلَاهُمَا رَکَنَ إِلَى الدُّنْیَا وَ تَابَعَ هَوَاهُ فِیمَا أَرْضَاهُ. فَلَمَّا لَمْ أَرَهُ أَنْ یَزْدَادَ فِیمَا انْتَهَکَ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ إِلَّا تَمَادِیاً شَاوَرْتُ مَنْ مَعِی مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ(ص) الْبَدْرِیِّینَ وَ الَّذِینَ ارْتَضَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَمْرَهُمْ وَ رَضِیَ عَنْهُمْ بَعْدَ بَیْعَتِهِمْ وَ غَیْرَهُمْ مِنْ صُلَحَاءِ الْمُسْلِمِینَ وَ التَّابِعِینَ. فَکُلٌّ یُوَافِقُ رَأْیُهُ رَأْیِی فِی غَزْوِهِ وَ مُحَارَبَتِهِ وَ مَنْعِهِ مِمَّا نَالَتْ یَدُهُ.

وَ إِنِّی نَهَضْتُ إِلَیْهِ بِأَصْحَابِی أُنْفِذُ إِلَیْهِ مِنْ کُلِّ مَوْضِعٍ کُتُبِی وَ أُوَجِّهُ إِلَیْهِ رُسُلِی أَدْعُوهُ إِلَى الرُّجُوعِ عَمَّا هُوَ فِیهِ وَ الدُّخُولِ فِیمَا فِیهِ النَّاسُ مَعِی.

فَکَتَبَ یَتَحَکَّمُ عَلَیَّ وَ یَتَمَنَّى عَلَیَّ الْأَمَانِیَّ وَ یَشْتَرِطُ عَلَیَّ شُرُوطاً لَا یَرْضَاهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولُهُ وَ لَا الْمُسْلِمُونَ وَ یَشْتَرِطُ فِی بَعْضِهَا أَنْ أَدْفَعَ إِلَیْهِ أَقْوَاماً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ(ص) أَبْرَاراً فِیهِمْ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ وَ أَیْنَ مِثْلُ عَمَّارٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُنَا مَعَ النَّبِیِّ(ص) وَ مَا یُعَدُّ مِنَّا خَمْسَةٌ إِلَّا کَانَ سَادِسَهُمْ وَ لَا أَرْبَعَةٌ إِلَّا کَانَ خَامِسَهُمْ اشْتَرَطَ دَفْعَهُمْ إِلَیْهِ لِیَقْتُلَهُمْ وَ یُصَلِّبَهُمْ وَ انْتَحَلَ دَمَ عُثْمَانَ. وَ لَعَمْرُو اللَّهِ مَا أَلَّبَ عَلَى عُثْمَانَ وَ لَا جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قَتْلِهِ إِلَّا هُوَ وَ أَشْبَاهُهُ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِی الْقُرْآنِ.

فَلَمَّا لَمْ أُجِبْ إِلَى مَا اشْتَرَطَ مِنْ ذَلِکَ کَرَّ مُسْتَعْلِیاً فِی نَفْسِهِ بِطُغْیَانِهِ وَ بَغْیِهِ بِحِمْیَرٍ لَا عُقُولَ لَهُمْ وَ لَا بَصَائِرَ، فَمَوَّهَ لَهُمْ أَمْراً فَاتَّبَعُوهُ وَ أَعْطَاهُمْ مِنَ الدُّنْیَا مَا أَمَالَهُمْ بِهِ إِلَیْهِ.

فَنَاجَزْنَاهُمْ‏ وَ حَاکَمْنَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بَعْدَ الْإِعْذَارِ وَ الْإِنْذَارِ فَلَمَّا لَمْ یَزِدْهُ ذَلِکَ إِلَّا تَمَادِیاً وَ بَغْیاً لَقِینَاهُ بِعَادَةِ اللَّهِ الَّتِی عَوَّدَنَاهُ مِنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَ عَدُوِّنَا وَ رَایَةُ رَسُولِ اللَّهِ(ص) بِأَیْدِینَا، لَمْ یَزَلِ اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى یَفُلُّ حِزْبَ الشَّیْطَانِ بِهَا حَتَّى یَقْضِیَ الْمَوْتَ عَلَیْهِ. وَ هُوَ مُعَلِّمٌ رَایَاتِ أَبِیهِ الَّتِی لَمْ أَزَلْ أُقَاتِلُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ(ص) فِی کُلِّ الْمَوَاطِنِ.

فَلَمْ یَجِدْ مِنَ الْمَوْتِ مَنْجًى إِلَّا الْهَرَبَ فَرَکِبَ فَرَسَهُ وَ قَلَّبَ رَایَتَهُ لَا یَدْرِی کَیْفَ یَحْتَالُ فَاسْتَعَانَ بِرَأْیِ ابْنِ الْعَاصِ فَأَشَارَ عَلَیْهِ بِإِظْهَارِ الْمَصَاحِفِ وَ رَفْعِهَا عَلَى الْأَعْلَامِ وَ الدُّعَاءِ إِلَى مَا فِیهَا. وَ قَالَ إِنَّ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ وَ حِزْبَهُ أَهْلُ بَصَائِرَ وَ رَحْمَةٍ وَ تُقْیاً وَ قَدْ دَعَوْکَ إِلَى کِتَابِ اللَّهِ أَوَّلًا وَ هُمْ مُجِیبُوکَ إِلَیْهِ آخِراً. فَأَطَاعَهُ فِیمَا أَشَارَ بِهِ عَلَیْهِ إِذْ رَأَى أَنَّهُ لَا مَنْجَى لَهُ مِنَ الْقَتْلِ أَوْ الْهَرَبِ غَیْرُهُ فَرَفَعَ الْمَصَاحِفَ یَدْعُو إِلَى مَا فِیهَا بِزَعْمِهِ.

فَمَالَتْ إِلَى الْمَصَاحِفِ قُلُوبُ مَنْ بَقِیَ مِنْ أَصْحَابِی بَعْدَ فَنَاءِ أَخْیَارِهِمْ وَ جَهْدِهِمْ فِی جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ أَعْدَائِهِمْ عَلَى بَصَائِرِهِمْ. وَ ظَنُّوا أَنَّ ابْنَ آکِلَةِ الْأَکْبَادِ لَهُ الْوَفَاءُ بِمَا دَعَا إِلَیْهِ، فَأَصْغَوْا إِلَى دَعْوَتِهِ وَ أَقْبَلُوا بِأَجْمَعِهِمْ فِی إِجَابَتِهِ.

فَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ ذَلِکَ مِنْهُ مَکْرٌ وَ مِنِ ابْنِ الْعَاصِ مَعَهُ وَ أَنَّهُمَا إِلَى النَّکْثِ أَقْرَبُ مِنْهُمَا إِلَى الْوَفَاءِ. فَلَمْ یَقْبَلُوا قَوْلِی وَ لَمْ یُطِیعُوا أَمْرِی وَ أَبَوْا إِلَّا إِجَابَتَهُ، کَرِهْتُ أَمْ هَوِیتُ، شِئْتُ أَوْ أَبِیتُ، حَتَّى أَخَذَ بَعْضُهُمْ یَقُولُ لِبَعْضٍ إِنْ لَمْ یَفْعَلْ فَأَلْحِقُوهُ بِابْنِ عَفَّانَ أَوْ ادْفَعُوهُ إِلَى ابْنِ هِنْدٍ بِرُمَّتِهِ.

فَجَهَدْتُ عَلِمَ اللَّهُ جَهْدِی وَ لَمْ أَدَعْ غَلَّةً فِی نَفْسِی إِلَّا بَلَّغْتُهَا فِی أَنْ یُخَلُّونِی وَ رَأْیِی فَلَمْ یَفْعَلُوا وَ رَاوَدْتُهُمْ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مِقْدَارِ فُوَاقِ النَّاقَةِ أَوْ رَکْضَةِ الْفَرَسِ فَلَمْ یُجِیبُوا مَا خَلَا هَذَا الشَّیْخَ وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَى الْأَشْتَرِ وَ عُصْبَةً مِنْ أَهْلِ بَیْتِی فَوَ اللَّهِ مَا مَنَعَنِی أَنْ أَمْضِیَ عَلَى بَصِیرَتِی إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ یُقْتَلَ هَذَانِ وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ فَیَنْقَطِعَ نَسْلُ رَسُولِ اللَّهِ(ص) وَ ذُرِّیَّتُهُ مِنْ أُمَّتِهِ وَ مَخَافَةَ أَنْ یُقْتَلَ هَذَا وَ هَذَا وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ. فَإِنِّی أَعْلَمُ لَوْ لَا مَکَانِی لَمْ یَقِفَا ذَلِکَ الْمَوْقِفَ.

فَلِذَلِکَ صَبَرْتُ عَلَى مَا أَرَادَ الْقَوْمُ مَعَ مَا سَبَقَ فِیهِ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ. فَلَمَّا رَفَعْنَا عَنِ الْقَوْمِ سُیُوفَنَا تَحَکَّمُوا فِی الْأُمُورِ وَ تَخَیَّرُوا الْأَحْکَامَ وَ الْآرَاءَ وَ تَرَکُوا الْمَصَاحِفَ وَ مَا دَعَوْا إِلَیْهِ مِنْ حُکْمِ الْقُرْآنِ وَ مَا کُنْتُ أُحَکِّمُ فِی دِینِ اللَّهِ أَحَداً إِذْ کَانَ التَّحْکِیمُ فِی‏ ذَلِکَ الْخَطَأَ الَّذِی لَا شَکَّ فِیهِ وَ لَا امْتِرَاءَ.

فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا ذَلِکَ أَرَدْتُ أَنْ أُحَکِّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَیْتِی أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ أَرْضَى رَأْیَهُ وَ عَقْلَهُ وَ أَثِقُ بِنَصِیحَتِهِ وَ مَوَدَّتِهِ وَ دِینِهِ وَ أَقْبَلْتُ لَا أُسَمِّی أَحَداً إِلَّا امْتَنَعَ مِنْهُ ابْنُ هِنْدٍ وَ لَا أَدْعُوهُ إِلَى شَیْ‏ءٍ مِنَ الْحَقِّ إِلَّا أَدْبَرَ عَنْهُ وَ أَقْبَلَ ابْنُ هِنْدٍ یَسُومُنَا عَسْفاً وَ مَا ذَاکَ إِلَّا بِاتِّبَاعِ أَصْحَابِی لَهُ عَلَى ذَلِکَ.

فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا غَلَبَتِی عَلَى التَّحَکُّمِ تَبَرَّأْتُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُمْ وَ فَوَّضْتُ ذَلِکَ إِلَیْهِمْ فَقَلَّدُوهُ امْرَأً فَخَدَعَهُ ابْنُ الْعَاصِ خَدِیعَةً ظَهَرَتْ فِی شَرْقِ الْأَرْضِ وَ غَرْبِهَا وَ أَظْهَرَ الْمَخْدُوعُ عَلَیْهَا نَدَماً.

ثُمَّ أَقْبَلَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟

قَالُوا بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.

[أَمَّا السَّابِعَةُ -  قِتَالُ أَصْحَابِی اللَّذِینَ یَصُومُونَ النَّهَارَ وَ یَقُومُونَ اللَّیْل]

فَقَالَ(ع): وَ أَمَّا السَّابِعَةُ یَا أَخَا الْیَهُودِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ(ص) کَانَ عَهِدَ إِلَیَّ أَنْ أُقَاتِلَ فِی آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ أَیَّامِی قَوْماً مِنْ أَصْحَابِی یَصُومُونَ النَّهَارَ وَ یَقُومُونَ اللَّیْلَ وَ یَتْلُونَ الْکِتَابَ یَمْرُقُونَ بِخِلَافِهِمْ عَلَیَّ وَ مُحَارَبَتِهِمْ إِیَّایَ مِنَ الدِّینِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِیَّةِ فِیهِمْ ذُو الثُّدَیَّةِ یُخْتَمُ لِی بِقَتْلِهِمْ بِالسَّعَادَةِ.

فَلَمَّا انْصَرَفْتُ إِلَى مَوْضِعِی هَذَا یَعْنِی بَعْدَ الْحَکَمَیْنِ أَقْبَلَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَلَى بَعْضٍ بِاللَّائِمَةِ فِیمَا صَارُوا إِلَیْهِ مِنْ تَحْکِیمِ الْحَکَمَیْنِ فَلَمْ یَجِدُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِکَ مَخْرَجاً إِلَّا أَنْ قَالُوا کَانَ یَنْبَغِی لِأَمِیرِنَا أَنْ لَا یُبَایِعَ مَنْ أَخْطَأَ وَ أَنْ یَقْضِیَ بِحَقِیقَةِ رَأْیِهِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَ قَتْلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنَّا. فَقَدْ کَفَرَ بِمُتَابَعَتِهِ إِیَّانَا وَ طَاعَتِهِ لَنَا فِی الْخَطَإِ وَ أَحَلَّ لَنَا بِذَلِکَ قَتْلَهُ وَ سَفْکَ دَمِهِ.

فَتَجَمَّعُوا عَلَى ذَلِکَ وَ خَرَجُوا رَاکِبِینَ رُءُوسُهُمْ یُنَادُونَ بِأَعْلَى أَصْوَاتِهِمْ لَا حُکْمَ إِلَّا لِلَّهِ. ثُمَّ تَفَرَّقُوا فِرْقَةٌ بِالنُّخَیْلَةِ وَ أُخْرَى بِحَرُورَاءَ وَ أُخْرَى رَاکِبَةٌ رَأْسُهَا تَخْبِطُ الْأَرْضَ شَرْقاً حَتَّى عَبَرَتْ دِجْلَةَ فَلَمْ تَمُرَّ بِمُسْلِمٍ إِلَّا امْتَحَنَتْهُ فَمَنْ تَابَعَهَا اسْتَحْیَتْهُ وَ مَنْ خَالَفَهَا قَتَلَتْهُ.

فَخَرَجْتُ إِلَى الْأُولَیَیْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى أَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الرُّجُوعِ إِلَیْهِ فَأَبَیَا إِلَّا السَّیْفَ لَا یَقْنَعُهُمَا غَیْرُ ذَلِکَ فَلَمَّا أَعْیَتِ الْحِیلَةُ فِیهِمَا حَاکَمْتُهُمَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَتَلَ اللَّهُ هَذِهِ وَ هَذِهِ وَ کَانُوا یَا أَخَا الْیَهُودِ لَوْ لَا مَا فَعَلُوا لَکَانُوا رُکْناً قَوِیّاً وَ سَدّاً مَنِیعاً فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا مَا صَارُوا إِلَیْهِ ثُمَّ کَتَبْتُ إِلَى الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ وَ وَجَّهْتُ رُسُلِی تَتْرَى وَ کَانُوا مِنْ جِلَّةِ أَصْحَابِی وَ أَهْلِ التَّعَبُّدِ مِنْهُمْ وَ الزُّهْدِ فِی الدُّنْیَا فَأَبَتْ إِلَّا اتِّبَاعَ أُخْتَیْهَا وَ الِاحْتِذَاءَ عَلَى مِثَالِهِمَا وَ أَسْرَعَتْ فِی قَتْلِ مَنْ خَالَفَهَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ وَ تَتَابَعَتْ إِلَیَّ الْأَخْبَارُ بِفِعْلِهِمْ.

فَخَرَجْتُ حَتَّى قَطَعْتُ إِلَیْهِمْ دِجْلَةَ أُوَجِّهُ السُّفَرَاءَ وَ النُّصَحَاءَ وَ أَطْلُبُ الْعُتْبَى بِجَهْدِی بِهَذَا مَرَّةً وَ بِهَذَا مَرَّةً وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَى الْأَشْتَرِ وَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَیْسٍ وَ سَعِیدِ بْنِ قَیْسٍ الْأَرْحَبِیِّ وَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَیْسٍ الْکِنْدِیِّ فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا تِلْکَ رَکِبْتُهَا مِنْهُمْ فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ یَا أَخَا الْیَهُودِ عَنْ آخِرِهِمْ وَ هُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ أَوْ یَزِیدُونَ حَتَّى لَمْ یُفْلِتْ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ فَاسْتَخْرَجْتُ ذَا الثُّدَیَّةِ مِنْ قَتْلَاهُمْ بِحَضْرَةِ مَنْ تَرَى لَهُ ثَدْیٌ کَثَدْیِ الْمَرْأَةِ.

ثُمَّ الْتَفَتَ(ع) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَیْسَ کَذَلِکَ؟

قَالُوا: بَلَى یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ

[وَ بَقِیَتِ الْأُخْرَى...]

فَقَالَ(ع): قَدْ وَفَیْتُ سَبْعاً وَ سَبْعاً یَا أَخَا الْیَهُودِ وَ بَقِیَتِ الْأُخْرَى وَ أُوشِکُ بِهَا فَکَانَ قَدْ. فَبَکَى أَصْحَابُ عَلِیٍّ(ع) وَ بَکَى رَأْسُ الْیَهُودِ وَ قَالُوا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَخْبِرْنَا بِالْأُخْرَى.

فَقَالَ(ع): الْأُخْرَى أَنْ تُخْضَبَ هَذِهِ، وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَى لِحْیَتِهِ، مِنْ هَذِهِ، وَ أَوْمَأَ بِیَدِهِ إِلَى هَامَتِهِ،

قَالَ: وَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النَّاسِ فِی الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالضَّجَّةِ وَ الْبُکَاءِ حَتَّى لَمْ یَبْقَ بِالْکُوفَةِ دَارٌ إِلَّا خَرَجَ أَهْلُهَا فَزِعاً وَ أَسْلَمَ رَأْسُ الْیَهُودِ عَلَى یَدَیْ عَلِیٍّ(ع) مِنْ سَاعَتِهِ وَ لَمْ یَزَلْ مُقِیماً حَتَّى قُتِلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ(ع) وَ أُخِذَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ.

فَأَقْبَلَ رَأْسُ الْیَهُود حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْحَسَنِ(ع) وَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ لَهُ: یَا أَبَا مُحَمَّدٍ! اقْتُلْهُ قَتَلَهُ اللَّهُ فَإِنِّی رَأَیْتُ فِی الْکُتُبِ الَّتِی أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى(ع) أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ جُرْماً مِنِ ابْنِ آدَمَ قَاتِلِ أَخِیهِ وَ مِنَ الْقُدَارِ عَاقِرِ نَاقَةِ ثَمُودَ.


مطالب مرتبط:

نظرات

ارسال نظر

لطفا قبل از ارسال نظر اینجا را مطالعه کنید

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی
دسترسی سریع سخنرانی ها تنها مسیر استاد پناهیان ادبستان استاد پناهیان درسنامۀ تاریخ تحلیلی اسلام کلیپ تصویری استاد پناهیان کلیپ صوتی استاد پناهیان پرونده های ویژه حمایت مالی بیان معنوی پناهیان

آخرین مطالب

آخرین نظرات

بیان ها راهکار راهبرد آینده نگری سخنرانی گفتگو خاطرات روضه ها مثال ها مناجات عبارات کوتاه اشعار استاد پناهیان قطعه ها یادداشت کتابخانه تالیفات مقالات سیر مطالعاتی معرفی کتاب مستندات محصولات اینفوگرافیک عکس کلیپ تصویری کلیپ صوتی موضوعی فهرست ها صوتی نوبت شما پرسش و پاسخ بیایید از تجربه... نظرات شما سخنان تاثیرگذار همکاری با ما جهت اطلاع تقویم برنامه ها اخبار مورد اشاره اخبار ما سوالات متداول اخبار پیامکی درباره ما درباره استاد ولایت و مهدویت تعلیم و تربیت اخلاق و معنویت هنر و رسانه فرهنگی سیاسی تحلیل تاریخ خانواده چندرسانه ای تصویری نقشه سایت بیان معنوی بپرسید... پاسخ دهید...